بيان صادر عن ائتلاف استقلال القضاء

اعلن ائتلاف استقلال القضاء في بيان، ان لجنة الادارة والعدل "أغفلت كما من المعايير الدولية في الصيغة المعدلة لاقرار تر "قانون استقلال القضاء" التي اقرتها في منتصف شهر كانون الاول 2021". ورأى ان "الاقتراح لا يحقق في صيغته الحالية الأهداف المنشودة منه"، معلنا رفضه لمضمونه. وطالب بأن "يصار إلى تصحيحه في جلسة مناقشة علنية قبل إحالته إلى الهيئة العامة لمجلس النواب". وجاء في البيان ما يلي: "أقرت لجنة الإدارة والعدل في منتصف شهر كانون الأول 2021 صيغة معدلة من اقتراح قانون استقلال القضاء وشفافيته. وتأتي هذه النسخة بمثابة تصحيح للنسخة التي كانت أنهتها اللجنة المصغرة المنبثقة عنها في أيار الماضي، وذلك على ضوء الملاحظات التي تلقتها تعليقا عليها، وأهمها الملاحظات التي وجهها إليها ائتلاف استقلال القضاء وأوضح فيها تفصيليا عدم مراعاة كم كبير من المعايير الدولية لاستقلال القضاء. وللأسف، نتبين عند مراجعة نسخة الاقتراح كما عدلته اللجنة أنها عادت وأغفلت كما من هذه المعايير فأتى اقتراحها الجديد منقوصا وقاصرا عن تحقيق استقلال القضاء. وفي حين يعمل الائتلاف على وضع ملاحظات تفصيلية حول الاقتراح، فإن أبرز الأسباب التي بني عليها موقفه هي الآتية: 1- الفشل في تحرير مجلس القضاء الأعلى من قبضة الحسابات السياسية تضمن الاقتراح أن مجلس القضاء الأعلى يتكون من عشرة قضاة: ثلاثة حكميون (هم رئيس محكمة التمييز ورئيس هيئة التفتيش القضائي والنائب العام التمييزي) وسبعة منتخبون. وقد عمد الاقتراح لتحديد آلية انتخاب الأعضاء السبعة إلى تقسيم القضاة إلى سبع فئات يدعى القضاة إلى انتخاب عضو عن كل منها. وقد تكونت هذه الفئات على النحو الآتي: (1) رؤساء غرف محكمة التمييز و(2) رؤساء غرف محاكم الاستئناف و(3) رؤساء محاكم الدرجة الأولى و(4) مستشارو غرف محكمة التمييز و(5) مستشارو غرف محاكم الاستئناف و(6) قضاة التحقيق و(7) أخيرا، فئة دمجت فيها فئتان: فئة القضاة المنفردين والفئة المقترح استحداثها (وهي فئة قضاة المهمة والتي تضم قضاة ينتدبون لمهام في أي محكمة من دون أن يكون لهم أي مركز محدد ومن دون أن يشترط الاقتراح حيازتهم لدرجة معينة). وفي حين يشكل هذا الأمر تحولا هاما بالنسبة إلى الوضع الحالي حيث تعين السلطة التنفيذية 8 من أعضاء المجلس العشرة ولا ينتخب ممثلين عنهم إلا قضاة محكمة التمييز ومن بين رؤساء غرف محكمة التمييز حصرا، فإن النظر في التفاصيل يجعل الصورة أقل وردية ويظهر خيارات غير مبررة من شأنها منح السلطة السياسية هامشا واسعا للتأثير في نتائج الانتخابات وتاليا في تكوين المجلس للأسباب الآتية: أ‌- الفئات السبع فئات مصطنعة تؤدي إلى تعزيز حظوظ الفئات الأقرب من السلطة السياسية أول ما نلحظه هو التفاوت في أحجام هذه الفئات. ففي حين يقتصر عدد رؤساء غرف محكمة التمييز على 10 قضاة فقط، من المرجح أن يزيد عدد قضاة الفئة السابعة (القضاة المنفردون الذين يبلغ عددهم 107 وفق تشكيلات 2017 بالإضافة إلى قضاة المهمة الذين يمثلون نسبة 5% من الجسم القضائي وفق الاقتراح أي ما يقارب 33 قاضيا) عن 140 قاضيا. في حين تتراوح أحجام الفئات الأخرى بين هذين المستويين وفق أرقام تشكيلات 2017 وهي كما يلي: المستشارون في غرف محكمة التمييز 41 ورؤساء غرف محاكم الاستئناف 55 والمستشارون في غرف محاكم الاستئناف 63 ورؤساء المحاكم الابتدائية 22 وقضاة التحقيق 45. وما يزيد من غرابة هذا التفاوت في أحجام "الفئات الانتخابية" هو أن تقسيم القضاة على هذا الوجه لا يجد أي تفسير منطقي سوى أنه خيار واع يهدف إلى تعزيز مكانة القضاة الذين هم في أعلى الهرم (وهم عموما الأقرب إلى القوى السياسية) مقابل إضعاف مكانة القضاة الشباب أو الذين هم في الدرجات الدنيا (وهم عموما الأكثر استقلالية عن القوى السياسية). فليس هنالك أي مشاغل أو اهتمامات تميز رؤساء الغرف عن مستشاري غرف محكمة التمييز ومحاكم الاستئناف بل يتشاركون في حال نجاحهم الحاجات والتطلعات والتحديات نفسها، فما معنى تقسيمهم ضمن فئات مختلفة؟ وليس هنالك في الآن نفسه أي قاسم مشترك بين القضاة المنفردين وقضاة المهمة، فما معنى جمعهم في فئة واحدة؟ وعليه، بقدر ما يهدف تمييز "رؤساء الغرف" إلى إعلاء شأنهم وضمان حظوظ مرشحيهم في النجاح، يذهب خيار دمج فئتي القضاة المنفردين وقضاة المهمة بالمقابل في اتجاه معاكس تماما أي في اتجاه تخفيض عدد ممثلي الفئات الشبابية من القضاة بحيث يتم حصرهم بمقعد واحد وجعل معركة أي مرشح عن هذه الفئة في منتهى الصعوبة بالنظر إلى كثرة عدد القضاة فيها. يضاف إلى ذلك أن أربعة من "الفئات الانتخابية" المقترحة تضم عموما القضاة المحظيين من القوى السياسية وفق مرسوم التشكيلات القضائية الأخير (2017)، وهي فئات رؤساء غرف التمييز والاستئناف والدرجة الأولى فضلا عن قضاة التحقيق، وهو أمر يمهد لإعطاء هامش واسع لهذه القوى بالتحكم بنتائج انتخابات المجلس. ب - تهميش الشباب المفعول الثاني الذي لا يقل خطورة لهذه التقسيمات المصطنعة، هو تهميش الشباب. فعدا عن أن الاقتراح يحرم أعضاء المحاكم الابتدائية وكل الذين لم يحوزوا الدرجة الرابعة (أي ست سنوات أقدمية وهي الدرجة المطلوبة لتبوؤ مركز قاض منفرد وفق الاقتراح) حق الترشح (إلا قلة قد يعينون قضاة مهمة)، فإن الدرجات المطلوبة للانتماء إلى الفئات الست الأخرى هي تباعا (رؤساء تمييز: الدرجة 16، مستشارو تمييز: الدرجة 12، رؤساء استئناف: الدرجة 14، رؤساء المحاكم الابتدائية: الدرجة 9، مستشارو استئناف: الدرجة 6، قضاة تحقيق: الدرجة 6). وعليه، يظهر أنه إذا وضعنا جانبا الفائز عن الفئة الأكبر حجما (فئة القضاة المنفردين وقضاة المهمة)، فإن القاضي الأكثر حداثة في القضاء عن أي من الفئات الأخرى هو قاض يتمتع بعشر سنوات أقدمية على الأقل. وهذا يعني تهميشا تاما للقضاة الشباب وما قد يحملونه من فكر تغييري داخل القضاء. وغالبا ما يترافق تهميش القضاة للشباب مع تهميش جندري حيث أن نسبة النساء هي أعلى لدى الدرجات الشبابية مما هي عليه لدى الدرجات الأعلى. ت‌- التحكم في تعيين الأعضاء الحكميين في حين ضيق الاقتراح من سلطة الحكومة في تعيين القضاة الحكميين من خلال فرض تعيينهم من ضمن قوائم من 3 أسماء يضعها مجلس القضاء الأعلى، سرعان ما عاد النص ليفتح لوزير العدل إمكانية إضافة أسماء أخرى، بما ينسف هذه الضمانة، وإن اشترط موافقة مجلس القضاء الأعلى عليها. خلاصة: سيكون للسلطة السياسية رأي شبه حاسم في فرض أسماء الأعضاء الحكميين الثلاثة. كما سيكون لها من حيث المبدأ هامش تأثير مرتفع جدا في انتخاب 4 من ممثلي الفئات الانتخابية كما حددها الاقتراح. وبنتيجة ذلك، أمكن القول إن الاقتراح أخفق في إيجاد آلية انتخابية تضمن استقلالية مجلس القضاء الأعلى الذي يفترض أن يكون الضمانة الأولى لاستقلال القضاء. 2- الفشل في إنجاز استقلالية الهيئات القضائية كان المرتجى من اقتراح استقلال القضاء أن يحقق استقلال الهيئات القضائية كافة، وذلك بهدف الحد من التأثيرات السياسية. وهذا ينطبق بشكل خاص على هيئة التفتيش القضائي التي غالبا ما منحت بفعل تركيبتها غطاء سياسيا للقضاة المحميين. لكن شيئا لم يتغير هنا. فقد بقيت هذه الهيئة تحت إشراف وزير العدل. وبقي أداؤها خاضعا للسرية التامة. والأهم بقي جميع أعضائها معينين بشكل أحادي من السلطة التنفيذية. وعليه، تمت زيادة عدد أعضائها وملاكها ومواردها، من دون إيلاء أي انتباه لاستقلاليتها. والملفت أكثر هو أن الاقتراح اعتمد المنحى نفسه بخصوص الهيئة المنشأة لتقييم القضاة، أي في اتجاه منح السلطة التنفيذية صلاحية تعيين جميع أعضائها (بعد استطلاع رأي مجلس القضاء الأعلى)، رغم أنها تخضع لإشراف هذا الأخير وفق الاقتراح نفسه. وفي حين يتعين على مجلس القضاء الأعلى أن يقترح ثلاثة أسماء لكل من رئاسة هيئة التفتيش القضائي ورئاسة هيئة التقييم القضائي، أعطي وزير العدل هامشا بإضافة أسماء أخرى (بموافقة مجلس القضاء الأعلى) تمهيدا لعرضها على جهة التعيين. ومن شأن كل ذلك أن يؤدي بالنتيجة إلى فرض أسماء موافقة لرغبات السلطة التنفيذية وحساباتها. أما معهد الدروس القضائية فهو الآخر تنقصه ضمانة الاستقلالية. فهو يبقى إحدى وحدات وزارة العدل، ولا يتمتع بأي شخصية معنوية. ويسمي كل مدرائه، بما فيهم مدير التعليم المستمر، وأعضاء مجلس إدارته وزير العدل بعد موافقة الهيئة القضائية المختصة. ويخضع تعيين رئيسه للآلية نفسها المعتمدة بخصوص تعيين رئيسي هيئتي التفتيش والتقييم القضائيتين. 3 - عدم تنزيه التشكيلات القضائية عن التدخلات تشكل التشكيلات القضائية إحدى أهم المناسبات للتدخل في القضاء وبناء الولاءات السياسية. وكان يتوقع من الاقتراح أن يقدم جوابا على الإشكالات المطروحة من خلال تكريس معايير دولية أهمها آلية تعيين محايدة، وإرساء مبدأ عدم جواز نقل القاضي إلا برضاه، فتح باب الترشيح للمراكز الشاغرة، فضلا عن اعتماد معايير النزاهة والكفاءة. وقد بقيت الحلول الواردة في الاقتراح غير كافية بل وهمية في أكثر من جانب وفي تعارض تام مع المعايير الدولية وفق ما نبينه أدناه. أـ عدم إنشاء آلية تعيين محايدة في حين أكد الاقتراح أن مشروع التشكيلات الذي يعده مجلس القضاء الأعلى يصدر بمرسوم بناء على اقتراح وزير العدل، فإنه أدخل مواد تسمح بوضعه موضع النفاذ حتى في حال تخلف المراجع السياسية عن إصدار المرسوم. وعليه، جاء فيه أنه في حال الخلاف في وجهات النظر بين مجلس القضاء الأعلى ووزارة العدل، يحسم المجلس المشروع بأكثرية 7/10 "على أن يتم التصويت على كل مركز بمفرده". في المقابل، تعتبر التشكيلات نافذة في حال لم يصدر المرسوم في غضون شهر من ورود المشروع إلى ديوان وزارة العدل. وتبقى هذه الأحكام قاصرة عن ضمان حيادية التعيينات للاعتبارات الآتية: - إن اشتراط غالبية 7 أعضاء لحسم المراكز المختلف عليها يعزز قدرة السلطة التنفيذية على فرض إرادتها. فنظرا إلى أنها صاحبة القرار بتعيين القضاة ال3 الحكميين، يكفي أن يشغر أحد مراكز المجلس أو أن ينحاز أحد المنتخبين للحكميين ليصبح تحقيق غالبية حسم غير ممكن. أي تعديل جدي هنا يوجب تخفيض غالبية الحسم إلى غالبية نسبية. - إن إجراء التصويت على كل مركز على حدة قد يؤدي إلى مشروع غير قابل للتنفيذ. كأن تتوفر الغالبية المطلوبة لتعيين قاض في منصب ما من دون أن تتوفر الغالبية المطلوبة لتعيين القاضي الذي يشغله حاليا، في منصب آخر. بذلك، قد نصل إلى استحالة إصدار المشروع بفعل استحالة تنفيذه. - لا يحدد الاقتراح آلية التصويت وتحديدا ما إذا كان سريا أو علنيا. وهو أمر قد يؤثر هو الآخر على اتجاه التصويت. ب‌- نسف مبدأ عدم جواز نقل القاضي إلا برضاه في حين أن الاقتراح كرس بوضوح هذا المبدأ، فإنه عاد لينسفه أو يحد من مدى تطبيقه بشكل محسوس في مواد أخرى منه. فبلفتة مستغربة، قررت لجنة الإدارة والعدل أن هذا المبدأ ينطبق "خارج التشكيلات القضائية" بما يجرد القضاة من أي ضمانة عند وضعها. وعليه، لا نفهم أين يطبق هذا المبدأ الذي انوجد تحديدا كضابط على التشكيلات القضائية. هل ينطبق حصرا على قرارات النقل الفردي؟ هل ينطبق على مشاريع التشكيلات الجزئية وهي مشاريع لا ينظمها الاقتراح إطلاقا؟ وحتى في الحالات الاستثنائية تلك، يبقى حسب الاقتراح بإمكان المجلس الأعلى للقضاء نسف هذا المبدأ وتاليا نقل القاضي إلى مركز قضائي معين خلافا لإرادته بمجرد أن يثبت عدم توفر عدد كاف من القضاة الذين يستوفون شروط التعيين في هذا المركز. وما يزيد من خطورة هذا الاستثناء على المبدأ هو أنه يحتمل أن يصبح القاعدة العامة بالنسبة إلى جميع المراكز الهامة على ضوء الشروط التعجيزية التي وضعها الاقتراح للتعيين في هذه المراكز، ومنها اشتراط أن يكون القاضي قد تولى لسنوات عدة مراكز معينة في محافظات معينة ومنع غالبية القضاة من الترشح لمراكز جديدة خلال مدة تصل إلى 5 سنوات بعد تعيينهم في منصب معين وأيضا منع أي من القضاة أن يتولى أي مركز آخر في النيابة العامة لمدة ثانية. ت ـ مبدأ نقل القاضي ولو من دون رضاه غالبا ما يأتي مبدأ المداورة أي إمكانية نقل القاضي بعد مدة من إشغال منصب معين ولو من دون رضاه، كأحد الضوابط على مبدأ عدم نقل القاضي إلا برضاه. ورغم أن الاقتراح نسف هذا المبدأ كما سبق بيانه، فإنه بالمقابل كرس مبدأ المداورة جاعلا إياه مبدأ بوجوب نقل القاضي فور انتهاء المدة المذكورة بإرادة القانون. وقد ترافقت هذه القاعدة مع قاعدة أخرى لا تقل فداحة وهي حبس القضاة في مراكزهم لمدة معينة بحيث يمنع عليهم الترشح لأي مركز آخر قد يشغر خلالها. ث‌- نسف مبدأ الترشح للمناصب الهامة كرس الاقتراح مبدأ ترشح القضاة للمراكز القضائية بعد انتهاء خدمتهم في المراكز التي عينوا فيها. لكنه وضع شروطا تعجيزية كما سبق بيانه، تؤدي عمليا إلى عدم وجود أشخاص مؤهلين للترشح لأكثر المراكز القضائية الهامة. ومؤدى ذلك هو إعطاء مجلس القضاء الأعلى استنسابية تسمح له بتجاوز مجمل المعايير الموضوعة للتشكيلات. ج‌- إنشاء فئة قضاة المهمة أخيرا، تم خلق وظيفة قضائية هجينة هي وظيفة قاضي المهمة وهو قاض لا يعين في مركز محدد بل يكون من الممكن انتدابه لأي وظيفة عند الحاجة. ويشير الاقتراح إلى إمكانية أن يبلغ عدد قضاة المهمة 5% من القضاة. ومن شأن كل ذلك أن يجعل استقلالية القضاء في هذه المراكز بالغة الهشاشة. وأكثر ما يخشى هنا هو استخدام قضاة هذه الفئة لخدمة مصالح القوى النافذة في القضايا التي تهمها، وذلك من خلال تنصيبهم في هيئات تعاني من شواغر وهيئات يتنحى أو ينحى أعضاء منها. لا يسعنا إلا التأكيد على خطورة هذه الممارسة في الوضع اللبناني الحالي. 4- عدم الاعتراف بالمساواة بين القضاة وإبقاء أبواب الإغراء والمحاباة مفتوحة يرشح الاقتراح عن نفس تمييزي بين كبار القضاة والفئات العمرية الشبابية، وأيضا بين رؤساء الغرف والمستشارين فيها، كما أنه يترك الطريق مفتوحا أمام تعيين القضاة في لجان لقاء بدل خاص بها من دون ضوابط. كما أنه يسمح بانتداب قضاة إلى بعض الإدارات (رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة والهيئة العليا للتأديب) مخولا إياهم في هذه الحالات تلقي راتب من الجهة التي انتدبوا إليها بالإضافة إلى راتبهم الأساسي في القضاء. 5- عدم الاعتراف بالضمانات الذاتية للقضاة يجافي الاقتراح العديد من الضمانات الأساسية المكرسة دوليا للقضاة. وأبرز الثغرات في هذا المجال الآتية: - إنه لا يضع أي قواعد ضامنة للاستقلالية المالية أو للحقوق الأساسية (صحة، تعليم، سكن وإلخ)، مما يشكل أمرا خطيرا وبخاصة في ظل انهيار قيمة الراتب بشكل كامل. - إنه لا يقر مبدأ عدم جواز نقل القضاة إلا برضاه إلا بصورة لفظية غير صحيحة. - إنه يضيق حرية القضاة في إنشاء جمعيات والذي يشكل ضمانة لاستقلاليتهم. فقد اشترط الاقتراح ألا يكون موضوع الجمعية متعارضا مع صلاحيات مجلس القضاء الأعلى. هذا الأمر خطير وغير مبرر. وما يزيد من خطورة هذا الأمر أن الاقتراح وضع ضمن صلاحيات المجلس السهر على "الحقوق المعنوية والمادية للقضاة" و"كل ما يتصل باستقلال القضاة"، الأمر الذي يحصر حرية تأسيس جمعيات للقضاة بحرية إنشاء نواد ترفيهية أو ثقافية من دون أي مضمون حقوقي. - إنه يخول مجلس القضاء الأعلى عزل قاض (من خلال إعلان عدم أهليته) من دون تعريف عدم الأهلية ومن دون تمكين القاضي من الدفاع عن نفسه. - إنه يترك القاضي عرضة لملاحقة تأديبية على أساس نصوص مطاطة خلافا لمبدأي شرعية العقوبة ومدى تناسب العقوبة مع خطورتها. - إنه لا يقر للقضاة في القضايا التأديبية ضمانة المحاكمة العادلة باللجوء إلى محاكمة على درجتين، بصورة تخالف صراحة القرار الدستوري رقم 5/2000 الذي اعتبر حق الدفاع شرطا من شروط الاستقلالية. 6- الفشل في تحقيق المساواة في الدخول إلى معهد الدروس القضائية مقابل إبقاء طريق موجز لدخول القضاء من خارج المعهد سعى الاقتراح الأساسي الذي أعدته المفكرة القانونية وتبناه ائتلاف استقلال القضاء إلى ضمان المساواة بين المرشحين لدخول القضاء أو معهد الدروس القضائية من خلال حظر استبعاد أي مرشح بطريقة اعتباطية ووضع شروط عادلة للمباراة. إلا أن اقتراح لجنة الإدارة والعدل ذهب للأسف إلى العكس تماما بحيث انتهى إلى إعطاء المجلس الأعلى للقضاء فرصا إضافية لاستبعاد مرشحين بقرارات غير مبنية على أية معايير موضوعية ومن دون أن يكون لهؤلاء أي حق بالطعن فيها. وقد تم ذلك من خلال وضع شرط إضافي للترشح للدخول إلى معهد الدروس القضائية، وهو أن يكون المرشح قد نجح في سنة تحضيرية، علما أن قبول الطلبات للاشتراك في السنة التحضيرية هو أيضا يخضع لقرار استنسابي تتخذه اللجنة الفاحصة المعينة من مجلس إدارة معهد الدروس القضائية بعد إجراء مقابلة شفهية معهم. كما يكون لمجلس القضاء الأعلى قرار استبعاد أي مرشح لمباراة الدخول إلى معهد الدروس القضائية بناء على مقابلة شفهية أخرى. ومن الأنسب ضمانا للمساواة أن يكون الالتحاق بالسنة التمهيدية بناء على معايير موضوعية كالحصول على شهادة جامعية معينة وأن لا يكون النجاح في هذه السنة التمهيدية بأية حال شرطا للترشح لمباراة الدخول إلى معهد الدروس القضائية. أخطر مما تقدم، أنه بمقابل تمديد مهلة دخول القضاء من خلال المعهد إلى ما يقارب 4 سنوات، عاد الاقتراح ليفتح طريقا سريعا أمام تعيين قضاة أصيلين من بين محامين ومساعدين قضائيين وذلك بموجب مباراة، ومن دون وضع ضوابط لانتقائهم (ولا حتى المقابلة الشفهية) سوى تمتعهم بأقدمية 10 سنوات. وما يزيد من خطورة الأمر هو عدم وضع حد أقصى لعدد القضاة الذين جاز توظيفهم بهذه الطريقة. ويخشى أن يؤدي هذا الأمر إلى إدخال عشرات القضاة الجدد من المحسوبين على الفئات السياسية بما يعوض عن الاستقالات الحاصلة داخل القضاء حاليا. لهذه الأسباب كافة، وإذ نرى أن اقتراح القانون لا يحقق في صيغته الحالية الأهداف المنشودة منه، فإننا نعلن رفضنا لمضمونه، طالبين أن يصار إلى تصحيحه في جلسة مناقشة علنية قبل إحالته إلى الهيئة العامة لمجلس النواب. ما نريده ليس أي قانون. ما نريده هو قانون يضمن حقيقة استقلال القضاء".

شارك هذا المنشور